مقال بعنوان تكليف الأمانة وتشريفها الإلهي للأستاذ الدكتور وضاح كافي حلومي محمد العزاوي

هناك طائفة من المعاني والدِلالات يتمحور عليها ذلك التكليف، والتشريف، وأبرز معالم التقدير للعقل البشري أن الله تعالى وضَعَهُ مناطا للتكليف إذْ فَرقّ بذلك بينه وبين فاقد الأهلية ، عن طريق المحاسبة على أفعاله وأقواله، لقولهِ (صلى الله عليه وسلم): «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يْقِظَ وَعَنْ الطِّفْلِ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَبْرَأَ أَوْيَعْقِلَ» رواه أحمد والنَّسائي وابن ماجه . وإشارة الحديث الشريف واضحة في دلالتها على عِظَم شأن العقل وفائدتهِ في الوجود الإنساني ؛ فكان تعبير السياق القرآني ظاهرًا في تشريف الله “عز وجل” بني آدم ، إذْ جاء معنى (الأمانة) حاملاً في طَيَّاِتِهِ دلالات تكريم العقل الإنساني بذلك التكليف ، من أوامر ونواهٍ ، ﭧﭐﭨﭐ ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾

(سورة الاحزاب:72) ، فَمَنْ ذا الذي يتحمل مَشَقَّة ذلك التشريفِ ، لثقلهِ ، فشرطُهُ مهولٌ مُخيفٌ ؛ لأنَّ الحياة الآخرة تنتهي بزمنٍ مُعَيَّنٍ ، فحملُهُ لتلك (الأمانة) بأنواعها ، دون القيام بحقوقها، قد يُعرِّضُهُ إلى عقوبةٍ إلهيةٍ طويلةِ الأمدِ، لا يعتركُ فيها إلاّ ظالمٌ لنفسهِ جاهلٌ بها

​ومن مدلولات تلك (الأمانة) العظيمة، المحافظة على الصلوات بأوقاتها، وأمانة الصيام على الوجه الذي شُرِّع عليهِ ، وتوزيع الزكاة المفروضة على مستحقيها بِدِقَّة على الأصناف الثمانية في القرآن من فقراء ومساكين وغيرهم ، وأمانة نقل الكلام بين الناس بشكل صحيح دون افتراء ، كاجتناب الغيبة والمحارم الأخرى ، لقولهِ عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» رواه البخاري ، وكذلك الأمانة في العلم سواء عند طالبه لله تعالى ، وباذله في سبيله عز وجل ، دون سمعة ورياء ، ومن أهم الأمانات أيضًا في العمل ، سواء كان مسؤولاً أو موظفًا أو تاجرًا أو حتى محكومًا ، وكذلك أمانة حفظ الودائع من أموالٍ وحقوقٍ وغيرها ، وبعد ذلك كلهِ يُخشى إنْ زالت تلك الأمانة العظيمة ، كان الاختلالُ والتدهورَ واضحاً في المجتمعات ، وورد أنها أوّل شيء يُرفَعُ أو يزول شيئًا فشيئًا ، ويبقى أَثَرُهَا في جذور قلوب الناس ، فعن حذيفة بن اليمان” رضي الله عنه” قال : « حَدَّثَنَا رسول الله حَدِيثَيْنِ قَدْ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الْآخَرَ حَدَّثَنَا أَنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ فَعَلِمُوا مِنْ الْقُرْآنِ وَعَلِمُوا مِنْ السُّنَّةِ ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الْأَمَانَةِ فَقَالَ يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْوَكْتِ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ تَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ قَالَ ثُمَّ أَخَذَ حَصًى فَدَحْرَجَهُ عَلَى رِجْلِهِ قَالَ فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ حَتَّى يُقَالَ إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ مَا أَجْلَدَهُ وَأَظْرَفَهُ وَأَعْقَلَهُ وَمَا فِي قَلْبِهِ حَبَّةٌ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ» «وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيَّكُمْ بَايَعْتُ لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ دِينُهُ وَلَئِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ لِأُبَايِعَ مِنْكُمْ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا». رواه البخاري ومسلم ، فنوم الرجل كناية عن الغفلة الموجِبَة لارتكاب السيئة الباعثة على نقص الأمانة والإيمان ، وعَدَّ ما بقي من الأمانة كتأثيرِ الحجر ، أي: بمثابة نقطة تراها منتقطة مرتفعة كبيرة لا طائل تحتها .

من ذلك جاء الأمر بأداء الأمانة ﭧﭐﭨﭐ ﴿ ۞ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾النساء: ٥٨

(ورعاية الأمانة) من صفات المؤمنين ﭧﭐﭨﭐ ﴿ ۞ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُون (8) ﴾المؤمنون: ١ – ٨

وورد النهي عن (خيانة الأمانة) صريحًا ﭧﭐﭨﭐ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾الأنفال: ٢٧، وكقولهِ عليه الصلاة والسلام : «آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ : إذا حَدّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإِذَا اؤتُمن خَانَ» رواه البخاري ومسلم ، فنحن بحاجة إلى مراجعة أنفسِنَا للاقتداء بصفةٍ من صفات نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم المشهورة بـ (الصادق الأمين) .

​وصلى الله تعالى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا

#شعبةالاعلام_والاتصال_الحكومي


 

1٬037 المشاهدات