مقال بعنوان فقه الممكن للدكتور وسام حمود عبد

InShot_٢٠٢٤٠١٠٦_١٢٣٤٢٥٥٨٤

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين .
من فضل الله جل وعلا ان جعل الاستطاعة مناط التكليف وفي نطاقها نشأ وتولد الفقه الإسلامي الذي نستطيع وصفه بمجموعه بأنه فقه الممكن أو فقه الاستطاعة.
فالتشريع الاسلامي في مقاصده النهائية إنما جاء لتهذيب النفس وليس لتعذيبها ، فالمشقة تجلب التيسير ، والضرورات تبيح المحظورات ، وما جعل الله علينا في الدين من حرج.
ولقد اقتضت حكمته أن يكون رسوله إلى المؤمنين منهم فكان ابن بيئته يعيش احوالهم ويتكامل مع واقعهم ويسري عليه ما يسري على سائر الناس من الأحوال إلا ما استوجبته مهمة التبليغ من العصمة التي تعد من لوازم النبوة وصحة التبليغ.
واليوم نرى خلطا وتخبطا في هذه القضية فصار لزاما على العلماء بيان مدى مراعاة مبدأ الاستطاعة وأثره البالغ في فقه الواقع وفقه الأولويات وفقه الموازنات، وتنزيل قيم الكتاب والسنة عليه وذلك من خلال العودة إلى مشكاة النبوة ؛ لأن إحياء المنهج هو الطريق إلى إعادة قراءة الواقع بموضوعية والتأمل بطرق تعديله وتعيين اماكن العطب التي اصابت الأمة فأجلسها عن مزاولة دورها في الشهادة على الناس وإلحاق الرحمة بهم.
ففقه الممكن هو فقه المجتمع ومعرفة إمكانات الناس وقدراتهم، وهو فقه يوازي فقه النص فالنص لا بد له من محل ينزل عليه ويشتغل فيه، ومن دون فقه المحل ومعرفة استطاعة الأفراد ستستمر المجازفات والعبث بالأحكام الشرعية والمساهمة السلبية بالإساءة إليها عن حسن نية أحيانا، ففقه أبعاد التكليف وتنزيل النص على الواقع هو المكمل لفقه النص نفسه.
ان الذين يدعون الى المثالية في كل شيء هم يغفلون عن الواقعية التطبيقية وما يعتريها من نقص فالله أنزل هذا الدين للناس ، والناس جبلوا على الضعف بل ليس صدفة أن يكون هبوط آدم أبي البشر عليه الصلاة والسلام من الجنة هو عاقبة خطأ الأكل من الشجرة كما هو معروف إذاً الحياة البشرية فيها جانب الخطأ وهو جزء من الكينونة البشرية حتى قال صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم(( ولئلا تتعطل صفات الغفران والعفو من الخالق على خلقه وهذا معناه أننا حينما ندعو الناس إلى النموذج الإيماني ينبغي أن تكون دعوتنا مخلوطة بقدر من الواقعية التي تقرب للناس إمكانية التطبيق.
حتى الأنبياء نراهم يراعون هذا الفقه رعاية دقيقة فمثلا نجد أن نبي الله شعيب كان يقول: (( إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الاصلاح مَا اسْتَطَعْتُ))[هود:88] لاحظ أنهم أنبياء وفي مقام الإصلاح وربطوا أمره بالاستطاعة وبالقدرة.
وكان ينهى صلى الله عليه وسلم أصحابه عن تكليف النفس ما لا تطيق فقد دخل المسجد ذات يوم وحبل ممدود بين ساريتين فقال: ( ما هذا ؟ ) قالوا: لزينب تصلي فإذا كسلت أو فترت أمسكت به قال: (حُلُّوه ) ثم قال: ( ليصل أحدكم نشاطه فإذا كسل أو فتر فليقعد ((، ونهى عن الوصال وشدد على أصحابه ففي الحديث واصل النبي صلى الله عليه وسلم آخر الشهر، وواصل أناس من الناس، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو مد بي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم إني لست مثلكم، إني أظل يطعمني ربي ويسقين)) يعني يريد أن يربي أصحابه على التخفيف وعدم التكلف.
ومن الجدير بالذكر ان فقه الممكن له صلة وثيقة بفقه الاقليات فالمسلم الذي يعيش بين ظهراني مسلمين يستطيع عمل أشياء كثيرة جداً بسبب وجود المساجد، والأنظمة، والحلال في الطعام والشراب … واعتبارات كثيرة جداً هذه الأشياء لا توجد في كثير من المجتمعات الغربية التي تعيش فيها أقليات إسلامية فالمسلم المغترب هو أحوج من غيره إلى تشريع احكام مبنية على التخفيف ومراعاة الظروف المحيطة به وكما جاء في الأثر (انكم تجدون على الخير أعوانا ، وهم لا يجدون عليه أعوانا ).
وفي الختام اسأل الله عز وجل أن اكون قد وفقت في تقديم هذا الموضوع والتعريف به وأن يجعل جميع أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، وصلِ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

#شعبةالاعلام_والاتصال_الحكومي

1٬179 المشاهدات