مقال علمي أثر القراءات القرآنية في تدعيم القواعد النحوية للدكتور عدي نعمان ثابت

01f9f840-b864-4df2-9240-0e1e125f7501

مقال بعنوان: أثر القراءات القرآنية في تدعيم القواعد النحوية
قطر الندى لابن هشام الأنصاري أنموذجا
المقدمة:
بسم الله والحمد لله وأزكى الصلاة واتم السلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فقد اعتنى النحويون الأوائل بجمع قواعد النحو العربي وتأصيلها، من خلال استقراء مادته من مصادرها الأصيلة الأولى القرآن وقراءاته، والحديث، والشعر، والمنثور من كلام العرب الفصحاء، وهم بهذا الجمع لهذه القواعد والأصول أرادوا التحري عن الدقة والصحة والشمول، لذلك كان الشاهد النحوي يمثل عندهم ركيزة مهمة يؤكدون بها القاعدة النحوية التي يستنبطونها، وبطبيعة الحال كلما كثرت الشواهد النحوية في قاعدة من قواعد النحو أضحت تلك القاعدة أكثر شهرة وأوسع استعمالًا وبخاصة إذا كان هذا الشاهد متعلقا بالقرآن الكريم وبقراءاته، وقد ذكر أهل العلم أن النص القرآني بكل قراءاته المتواترة والآحاد اصحّ كلام عربي يحتج به، فنص سيبويه (ت180هـ) على” أن القراءة لا تُخالف؛ لأن القراءة سنة متبعة” وقد نص ابن هشام على هذا الأمر في معرض كلامه في باب الاستثناء على جواز الرفع والنصب في كلمة (الضالون) من قوله تعالى: (ومن يقنط من رحمة ربه الا الضالون) بقوله: “قرأ الجميع بالرفع على الإبدال من الضمير في يقنط ولو قرئ الضالين بالنصب على الاستثناء لجاز، ولكن القراءة سنة متبعة”.
وابن هشام (رحمه الله) لم يستشهد في شرحه لقطر الندى فقط بما تواتر سندا من القراءات، بل استشهد ايضا بما شذ منها، والحق أن القراءات القرآنية كلها حجة متواترها وآحادها وشاذّها، وما قيل عن القراءة الشاذة ومنع قراءتها في التلاوة لا يعني منع الاستشهاد بها في النحو، فهي على الرغم من وصفها بالشذوذ أقوى سندا واصحّ سماعا من كل ما احتجوا به من كلام العرب، وقد بسط ابن جني (ت392هـ) القول في جواز الاستشهاد بها، وعليه فقد عنى ابن هشام بالقراءات القرآنية في شرحه للقطر بمختلف أنواعها واتخذ منها شاهدا للكثير من القواعد، وهو تارة يستعمل تعبيرات تدل على عنايته بالقراءة أكثر من عنايته بالقارئ الذي قرأ بها من ذلك قوله: “وقد قرئ في السبعة، وقوله في قراءة بعض السبعة، وقوله كما قرئ، وبها قرئ شاذا، وقوله قرأ بعضهم،…الخ، وتارة أخرى يعزو ابن هشام بعض القراءات إلى أصحابها سواء المتواتر منها أو الشاذ فعزا مثلًا قراءة، ابن كثير، والبصري، وابن عامر، وعاصم الكوفي، وحمزة بن حبيب الزيات، والحسن البصري، والجحدري، والعقيلي، وغيرهم… والذي يتابع شرح ابن هشام للقطر يجد انه لم يخطىء قارئا ولم يرد قراءة، وتأتي القراءات السبعية في المقام الأول إذ أورد كثيرا منها، ونصّ في بعض الأحيان على أصحابها، ثم تأتي القراءات التي وسمها بالشذوذ – ليس على سبيل الطعن في حجيتها – وإنما لخروجها على القراءات السبع المتواترة التي جمعها ابن مجاهد (ت324هـ) في كتابه (السبعة في القراءات)، وكذلك الذي يتتبع موقف ابن هشام من القراءات القرآنية في شرحه يجد أن معظم القراءات التي استشهد بها جاءت من اجل دعم لغة من لغات العرب المشهورة كتميم، ونخع، وهوازن، ولغة الحجازيين، وبعضها جاء بها ليؤكد قاعدة نحوية، وجاء بموضع آخر ليؤكد رأي عالمٍ من علماء النحو مثل سيبويه (رحمه الله) مثلا، لذلك عدَّ العلماء منهج ابن هشام في القراءات هو المنهج الأمثل والأسلوب السمح الذي يحفظ وقار القراءات والقراء والقيمة العلمية للرواية والرواة، كما يحفظ للنحويين حقهم في الاجتهاد وإبداء الرأي بعدم اللجوء الى النقد الجارح والاتهامات الخطيرة والاختيار من أقوال السابقين أسمحها في توجيه القراءات وهو المذهب الذي ساد في قضايا نقد القراءات الكبرى، ومن الجدير بالذكر أن ابن هشام في شرحه للقطر اشترك مع من صنف قبله من علماء هذا الفن في قسم وافر من الشواهد فأفاد من السابقين في اعتماد الشواهد، و زاد شواهد جديدة، فأدى ذلك إلى وفرة شواهده الإقرائية وتنوعها في شرحه.
وللكلام بقبة عسى الله ان ييسر ونبين في قابل المقالات نماذج من تلك الاحتجاجات ونتفا من تلك الاستشهادات التي تبين مدى اهتمام هذا العَلم بهذا العِلم العظيم والله ولي التوفيق.

1٬049 المشاهدات